عندما تُخطئ الحكومة في فهم رسالة الشباب

المهاجر
يشهد المشهد العام في المغرب اليوم حركية لافتة، تقودها بالأساس فئة الشباب. هؤلاء لا يكتفون بالتعبير عن همومهم اليومية، بل يسعون إلى توجيه رسالة واضحة: ضرورة الاعتراف بمكانتهم، والإنصات الحقيقي لهم، وإشراكهم الفعلي في صناعة المستقبل.
غير أنّ تعامل الحكومة مع هذه الرسائل يثير الكثير من التساؤلات. فبدل أن تنفتح على حوار صريح وبنّاء، بدا أنها اختارت نهج التحفّظ والتوجس، وكأنها لم تستسغ مضمون الخطاب الشبابي ولم تستوعب مراميه.
المشكل لا يكمن فقط في غياب الاستجابات العملية، بل في أسلوب التواصل المعتمد. فالخطاب الرسمي لجأ إلى تقديم حقائق مجتزأة أو مؤولة، وإلى صياغات تُحوِّل النقاش عن جوهر المطالب، مما ولّد شعورًا بالتشويش والتضليل، وزاد من فجوة الثقة بين المجتمع ومؤسساته.
وهنا يتضح أنّ ردود الحكومة لا تخرج عن كونها خطابات حزبية سلطوية، تكشف عن حجم الصراعات الحزبية الداخلية ورغبة كل طرف في التموقع السياسي. فهي خطابات مليئة بكلمات باردة وفضفاضة، تتلبّس لبوسًا فلسفيًا نظريًا بعيدًا عن الواقع العملي، ولا تنسجم مع تفكير وطموح الشباب. بل إنّها تعكس تمسّكًا شديدًا بالمواقع القائمة، وتفضح حرصًا على الاستمرار في السلطة أكثر من الحرص على الاستجابة لتطلعات المواطنين.
إنّ الشباب المغربي لا ينتظر تبريرات تقنية ولا سرديات مزوّقة، بل يطالب بـ الوضوح والشفافية والرؤية. يريد أن يُعامل باعتباره طرفًا فاعلًا في عملية التغيير، لا مجرد أرقام في مؤشرات اقتصادية أو اجتماعية.
الخطورة في استمرار هذا النهج تكمن في نتيجتين أساسيتين: أولًا، تعزيز حالة اللا ثقة تجاه المؤسسات، وثانيًا، تضييع فرصة تاريخية للاستثمار في طاقات وإبداع جيل بأكمله.
في النهاية، إنّ معنى الرسالة لا يُصنع بخطاب أحادي الجانب، بل يُبنى عبر الإنصات المتبادل والاعتراف بالآخر. ما لم تدرك الحكومة أنّ الشباب يطالبون بمستقبل مشترك قائم على العدالة والأمل، فإن أي خطاب رسمي سيظل مجرّد واجهة، عاجزة عن ملامسة عمق الحقيقة التي ينادي بها جيل اليوم.
بقلم الدكتور سعيد عثماني